( في ذكر لوط وذي القرنين عليهما السلام )
117 ـ أخبرنا الاستاد أبو جعفر محمد بن المرزبان ، عن الشّيخ أبي عبدالله جعفر الدّوريستي ، عن ابيه ، عن ابن بابويه ، حدّثنا محمد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن أبي حمزة الثّمالي ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : إنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله : سأل جبرئيل كيف كان مهلك قوم لوط ؟ فقال : إنّ قوم لوط كانوا أهل قرية لا يتنظّفون عن الغائط ، ولا يتطهّرون من الجنابة ، بخلاء أشحّاء على الطّعام ، وأنّ لوطاً لبث فيهم ثلاثين سنة ، وإنّما كان نازلاً فيهم ولم يكن منهم ، ولا عشيرة له فيهم ولا قوم ، وأنّه دعاهم إلى الله تعالى وإلى الإيمان به واتّباعه ، ونهاهم عن الفواحش ، وحثّهم على طاعة الله فلم يجيبوه ولم يطيعوه .
وأنّ الله لمّا أراد عذابهم بعث إليهم رسلاً عذراً أو نذراً ، فلمّا عتوا عن أمره بعث الله إليهم ملائكة ليخرجوا من كان فيها من المؤمنين ، وقالوا : اسر يا لوط باهلك ، فلمّا انتصف اللّيل سار لوط عليه السلام ببناته وتولّت امرأته مدبرة ، فانطلقت إلى قومها تسعى بلوط وتخبرهم أنّ لوطاً سار ببناته ، وإنّي نوديت من تلقاء العرش لمّا طلع الفجر يا جبرئيل حق القول من الله بحتم عذاب قوم لوط اليوم ، فأهبط إلى قرية لوط وما حوت فأقبلها من تحت سبع أرضين ، ثم أعرج بها إلى
( 118 )
السماء وأوقفها حتّى يأتيك أمر الجبّار في قلبها ودع منها آية بينة منزل لوط عبرة للسيارة ، فهبطت على أهل القرية فقلعت ذلك حتّى سمع أهل السّماء بريا ديوكها (1) ، فلما طلعت الشّمس نوديت : أقلب القرية فقلبتها عليهم حتّى صار أسفلها أعلاها .
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : يا جبرئيل وأين كانت قريتهم ؟ قال : في موضع بحيرة طبريّة اليوم ، وهي في نواحي الشّام ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله : حين قلبتها في أيّ موضع وقعت ؟ قال : وقعت فيما بين بحر الشّام إلى مصر ، فصارت تلولاً في البحر (2) .
118 ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي جعفر عليه الصلاة والسلام : أخبرني عن عاقبة البخل ، فقال : كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يتعوّذ من البخل إلى الله تعالى ، والله تعالى يقول : ( ومن يوق شحّ نفسه فاولئك هم المفلحون ) (3) وسأخبرك عن عاقبة البخل : إنّ قوم لوط كانوا أهل قرية أشحّاء على الطعام ، وأعقبهم البخل داء لا دواء له في فروجهم ، قلت : ما أعقبهم قال : إنّ قرية قوم لوط كانت على طريق السيّارة إلى الشّام ومصر ، فكانت السيّارة تنزل بهم فيضيفونهم ، فلمّا كثر ذلك عليهم ضاقوا بذلك ذراعاً ، فدعاهم البخل إلى أن كانوا إذا نزل بهم الضّيف فضحوه من غير شهوة بهم إلى ذلك ، حتّى صاروا يطلبونه من الرّجال ويعطون عليه النّحل (4) .
وأنّ لوطاً عليه السلام لبث مع قومه ثلاثين سنة يدعوهم إلى الله تعالى ويحذّرهم عقابه ،
____________
(1) في البحار : زقاء ديوكها ، ولعلّه الصحيح بمعنى الصّياح والصّراخ ، وفي نسختين : ريا ، وفي أخرى : رتا .
(2) بحار الأنوار ( 12 | 152 ) ، برقم : ( 7 ) عن العلل مع اختلاف يسير .
(3) سورة الحشر : ( 9 ) وسورة التغابن : ( 16 ) .
(4) في البحار : ويعطونهم عليه الجعل .
( 119 )
وكانت امرأة إبراهيم عليه السلام سارة اُخت لوط ، وكان لوط رجلا شيخاً كريما يقري الضّيف إذا نزل به ويحذّره قوم ، فقال قومه : أنا ننهاك عن الضّيف وقرائه ، فإن لم تفعل أخزيناك فيه ، فكان لوط إذا نزل به الضّيف كتم أمره مخافة أن يفضحه قومه ، وذلك أنّه لم يكن للوط عشيرة ولم يزل لوط وإبراهيم يتوقّعان نزول العذاب على قوم لوط .
وكان لإبراهيم ولوط منزلة عند الله شريفة ، وأنّ الله تعالى لمّا أراد عذاب قوم لوط أدركه خلّة إبراهيم ومحبّة لوط ، فبرأفتهم يؤخّر عذابهم ، أراد الله أن يعوّض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم ، فيسلّي به مصابه بهلاك قوم لوط ، فبعث الله رسلاً إلى إبراهيم يبشّرونه باسماعيل ، فدخلو عليه ليلاً ففزع وخاف إن يكونوا سرّاقاً فلمّا رأوه فزعاً قالوا : ( إنا نبشرك بغلام عليم ) (1) ثم قالوا : ( إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ) (2) قوم لوط ، فلمّا كان اليوم الثامن مع طلوع الفجر قدم الله رسلاً إلى إبراهيم يبشّرونه بإسحاق ويعزّونه بهلاك قوم لوط (3) .
فصل ـ 1 ـ
119 ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن عمر الجرجاني ، عن أبان ، عن أبي بصير ، عن أحدهما صلوات الله عليهما في قوله تعالى : ( أتأتون الفاحشة ) (4) فقال : إنّ إبليس أتاهم في صورة شاب حسن فيه تأنيث وعليه ثياب حسنة ، فلجأ إلى شباب منهم فأمرهم أن يقعوا به ففعلوا ، ولو أمرهم أن يفعل بهم لأبوا عليه فالتذوا ذلك ، ثم ذهب وتركهم فأحال بعضهم على بعض (5) .
____________
(1) سورة الحجر : ( 53 ) .
(2) سورة الحجر : ( 58 ) .
(3) بحار الأنوار ( 12 | 147 ـ 149 ) ، عن العلل مع اختلاف يسير وزيادة في ذيله .
(4) سورة الأعراف : ( 80 ) وسورة النّمل : ( 54 ) .
(5) بحار الأنوار ( 12 | 162 ) ، برقم : ( 13 ) .
( 120 )
120 ـ وبهذا الأسناد عن الحسن بن علي ، عن داود بن يزيد ، عن رجل ، عن أبي عبدالله صلوات الله عليه قال : لمّا جاءت الملائكة عليهم السلام في هلاك قوم لوط مضوا حتّى أتَوا لوطاً ، وهو في زراعة له قرب المدينة فسلموا عليه ، فلما رآهم رآى هيئة حشنة وعليهم ثياب بيض وعمايم بيض ، فقال لهم : المنزل ، قالوا : نعم ، فتقدّمهم ومشوا خلفه ، فندم على عرضه عليهم المنزل ، فالتفت إليهم فقال : إنّكم تأتون شراراً من خلق الله ، وكان جبرئيل قال الله له : لا تعذّبهم حتّى تشهد عليهم ثلاث شهادات ، فقال جبرئيل : هذه واحدة ثم مشى ساعة فقال : إنكم تأتون شراراً من خلق الله ن فقال : هذه ثنتان ، ثم مشى ، فلمّا بلغ المدينة التفت إليهم فقال : إنكم تأتون شراراً من خلق الله ، فقال جبرئيل : هذه ثلاث .
ثم دخل ودخلوا معه منزله فلمّا أبصرت (1) بهم امرأته أبصرت هيئة حسنة ، فصعدت فوق السّطح ، فصفقت فلم يسمعوا ، فدخنت لمّا رأوا الدّخان أقبلوا يهرعون إليه حتى وقفوا بالباب ، فقال لوط : ( فاتّقوا الله لا تخزوني في ضيفي ) (2) ثم كابروه حتّى دخلوا عليه قال : فصاح جبرئيل يا لوط دعهم يدخلوا قال : فدخلوا فأهوى جبرئيل اصبعيه (3) وهو قوله تعالى : ( فطمسنا أعينهم ) (4) ثم قال جبرئيل : « إنّا رسل ربّك لن يصلوا إليك » (5) .
فصل ـ 2 ـ
( في حديث ذي القرنين عليه السلام )
121 ـ أخبرنا الأديب أبو عبدالله الحسين المؤدب القمي ، حدّثنا جعفر الدوريستي ، حدّثنا أبي ، عن الشّيخ أبي جعفر بن بابويه ، عن أبيه ، حدّثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد ابن محمد بن عيسى ، عن عليّ بن النّعمان ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير ، عن
____________
(1) في ق 5 والبحار : بصر ، وفي ق 1 : بصرت امرأته ، وفي ق 3 : بصرتهم .
(2) سورة هود : ( 78 ) .
(3) في ق 2 : باصبعيه ، وفي ق 3 : بجناحه فأعمى أعينهم .
(4) سورة القمر : ( 37 ) .
(5) بحار الأنوار ( 12 | 163 ـ 164 ) ، برقم : ( 16 ) ، والآية الأخيرة في سورة هود : ( 81 ) .
( 121 )
أبي جعفر صلوات الله عليه قال : إنّ ذا القرنين لم يكن نبيّاً ، ولكنّه كان عبداً صالحا أحب الله فأحبّه الله ، وناصح الله (1) فناصحه الله ، أمر قومه بتقوى الله ، فضربوه على قرنه فغاب عنهم زمانا ، ثم رجع إليهم فضربوه على قرنه الآخر . وفيكم من هو على سنّته ، وأنّه خيّر السّحاب الصعب والسّحاب الذّلول ، فاختار الذّلول فركب الذّلول ، وكان إذا انتهى إلى قوم كان رسول نفسه إليهم لكيلا يكذب الرّسل (2) .
122 ـ وعن ابن بابويه ، عن محمد بن الحسن ، عن الصّفار محمد بن الحسن ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن عمرو بن عثمان ، عن رجل ، عن خلاّن عن سماك بن حرب بن حبيب (3) ، قال : أتى رجل عليّاً صلوات الله عليه فقال : يا أمير المؤمنين أخبرني عن ذي القرنين ، فقال له عليّ عليه السلام : سخّرت له السّحاب ، وقربت له الأسباب ، وبسط له في النّور ، فقال صلوات الله عليه : كان يبصر باللّيل كما يبصر بالنّهار (4) .
123 ـ وعن ابن بابويه ، عن أبيه عن سعد بن عبدالله ، حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي ، عن المثنى ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إنّ ذا القرنين كان عبداً صالحاً لم يكن له قرن من ذهب ولا من فضة ، بعثه الله في قومه ، فضربوه على قرنه الأيمن . وفيكم مثله (5) قالها ثلاث مرّات ، وكان قد وصف له عين الحياة ، وقيل له : من شرب منها شربة ، لم يمت حتى يسمع الصّيحة ، وأنّه خرج في طلبها حتّى أتى موضعاً كان في ثمانية وستّون عيناً ، وكان الخضر عليه السلام على مقدمته (6) ، وكان من آثر أصحابه عنده ، فدعاه وأعطاه وأعطى قوماً من أصحابه كلّ واحد منهم (7)
____________
(1) في ق 3 : ناصح الله .
(2) بحار الأنوار ( 12 | 194 ) ، برقم : ( 17 ) .
(3) في ق 2 وق 4 : عن سماك بن حرب عن أبي حبيب ، ولم يعرف أبو حبيب في هذه الطّبقة ، وسماك بن حرب عدّ من أصحاب الإمام السّجاد عليه السلام ولم يذكر له جدّ مسمّى بـ « حبيب » على ما عن المقدسي والذهبي في ترجمته راجع قاموس الرجال ( 5 | 5 ) ، وتوفّي في سنة ( 123 ) ، فلا يمكن روايته عن أمير المؤمنين عليه السلام .
(4) بحار الأنوار ( 12 | 194 ) ، برقم : ( 18 ) .
(5) في البحار بعد قوله : الأيمن زيادة وهي : فغاب عنهم ثم عاد إليهم فدعاهم فضربوه على قرنه الأيسر وفيكم مثله .
(6) في ق 1 : مقلقله ، وفي ق 5 : مقلقله . قلقل الشيء : حركه .
(7) في ق 1 : منكم .
( 122 )
حوتاً مملوحاً .
ثم قال : انطلقوا إلى هذه المواضع ، فيغسل كلّ رجل منكم حوته ، وأنّ الخضر انتهى إلى عين من تلك العيون ، فلمّا غمس الحوت ووجد ريح الماء حيّى وانساب في الماء ، فلمّا رآى ذلك الخضر رمى بثيابه (1) وسقط في الماء ، فجعل يرتمس في الماء ويشرب رجاء أن يصيبها ، فلمّا رأى ذلك رجع ورجع أصحابه ، فأمر ذو القرنين بقبض السّمك ، فقال : انظروا فقد تخلفت سمكة واحدة ، فقالوا : الخضر صاحبها فدعاه فقال : ما فعلت بسمكتك ، فأخبره الخبر ، فقال : ماذا صنعت قال : سقطت فيها أغوص وأطلبها فلم أجدها ، قال : فشربت من الماء قال : نعم قال : فطلب ذو القرنين العين فلم يجدها ، فقال الخضر : أنت صاحبها وأنت الّذي خلقت لهذه العين .
وكان اسم ذي القرنين عيّاشاً ، وكان أوّل الملوك بعد نوح عليه السلام ملك ما بين المشرق والمغرب (2) .
فصل ـ 3 ـ
124 ـ وباسناده عن محمد بن أورمة ، حدّثنا محمد بن خالد ، عمّن ذكره ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه ، قال : حجّ ذو القرنين في ستمائة ألف فارس ، فلمّا دخل الحرم شيعه بعض اصحابه إلى البيت ، فلمّا انصرف قال : رأيت رجلاً ما رأيت أكثر نوراً ووجهاً منه ، قالوا : ذاك إبراهيم خليل الرّحمن صلوات الله عليه ، قال : اسرجوا (3) فاسرجوا ستمائة دابة في مقدار ما يسرج دابة واحدة ، قال : ثم قال ذو القرنين : لا بل نمشي إلى خليل الرّحمن ، فمشى ومشى معه بعده أصحابه النقباء (4) .
قال إبراهيم عليه السلام : بم قطعت الدّهر ؟ قال : بأحد عشر كلمة : وهي سبحان من هو باق لا يفنى ، سبحان من هو عالم لا ينسى ، سبحان من هو حافظ لا يسقط ، سبحان
____________
(1) في ق 1 وق 5 : ثيابه .
(2) بحار الأنوار ( 13 | 300 ) ، برقم : ( 19 ) ومن قوله : وكان اسم ذي القرنين في ( 12 | 175 ) ، برقم : ( 1 ) .
(3) في البحار : وتسرجوا .
(4) في البحار : ومشى معه أصحابه حتّى التقيا ، ولعلّه الصّحيح .
( 123 )
من هو بصير لا يرتاب ، سبحان من هو قيّوم لا ينام ، سبحان من هو ملك لا يرام ، سبحان من هو عزيز لا يضام ، سبحان من هو محتجب لا يرى ، سبحان من هو واسع لا يتكلّف ، سبحان من هو قائم لا يلهو ، سبحان من هو دائم لا يسهو (1) .
125 ـ وعن ابن بابويه ، حدثنا محمد بن علي ما جيلويه ، عن عمّه محمد بن أبي القاسم ، حدّثنا محمد بن عليّ الكوفيّ ، عن شريف بن سابق التّفليسي ، عن أسود بن رزين القاضي قال : دخلت على أبي الحسن الأوّل عليه السلام ولم يكن رآني قطّ ، فقال من أهل السدّ أنت ، فقلت من أهل الباب ، فقال الثانية : من أهل السّد أنت ، قلت : من أهل الباب ، قال : من أهل السّد ، قلت : نعم ذاك السّد (2) الّذي عمله ذو القرنين (3) .
126 ـ وروي عن عبدالله بن سليمان ، وكان رجل قرأ الكتب : أن ذا القرنين كان رجلاً من أهل الإسكندريّة ، وأمّه عجوز من عجائزهم ، ليس لها ولد غيره يقال له : إسكندروس ، وكان له أدب وخلق وعفة من وقت صباه إلى أن بلغ رجلاً ، وكان رآى في المنام أنه دنى من الشمس فأخذ بقرنها في شرقها وغربها ، فلمّا قصّ رؤياه على قومه سمّوه ذا القرنين ، فلمّا رآى هذه الرّؤية بعدت همّته وعلا صوته وعزّ في قومه .
فكان أوّل ما اجتمع عليه أمره أن قال : أسلمت لله عزّ وجلّ ، ثمّ دعا قومه إلى الإسلام ، فأسلموا هيبة له ، وانطلق ذو القرنين حتّى امعن في البلاد يؤم المغرب حتّى انتهى إلى الجبل الّذي هو محيط بالأرض ، فإذا هو بملك قابض على الجبل ، وهو يقول : سبحان ربّي من أوّل الدّنيا إلى آخرها ، سبحان ربّي من موشع كفّي إلى عرش ربّي ، سبحان ربّي من منتهى الظّلمة إلى النّور . فلمّا سمع ذلك ذو القرنين خرّ ساجدا ، فلمّا رفع رأسه قال له الملك : كيف قويت يابن آدم على مبلغ هذا الموضع ؟ ولم يبلغه أحد من ولد آدم قبلك قال : قوّاني الله على ذلك .
فقال الملك : إنّي موكّل بهذا الجبل ، ولولا هذا الجبل لا نكفأت الأرض بأهلها ، رأس هذا الجبل ملتصق بسماء الدّنيا ، وأسفله في الأرض السّابعة السّفلى ، وهو محيط بها
____________
(1) بحار الأنوار ( 12 | 195 ) ، برقم : ( 20 ) و( 93 | 182 ) ، برقم : ( 18 ) .
(2) في البحار : قال ذاك السد .
(3) بحار الأنوار ( 12 | 196 ) ، برقم : ( 22 ) و( 48 | 50 ) ، برقم : ( 43 ) .
( 124 )
كالحقلة ، وليس على وجه الأرض مدينة إلا ولها عرق إلى هذا الجبل ، فإذا أراد الله تعالى أن يزلزل مدينة أوحى إليّ ، فحرّكت العرق الّذي إليها .
فلمّا اراد ذو القرنين الرجوع قال : لملك أوصنين قال : لا يهمّنك رزق غد ، ولا تؤخر عمل اليوم لغد ، ولا تحزن على ما فاتك وعليك بالرّفق ، ولا تكن جباراً متكبراً .
ثم إنّ ذا القرنين عطف على أصحابه ، ثم عطف بهم نحو المشرق يستقري ما بينه وبين المشرق من الأمم ، فيفعل بهم مثل ما فعل باُمم المغرب من العدل ، فبينما هو يسير إذ وقع على الاُمّة المحاكمة من قوم موسى صلوات الله عليه الّذين يهدون بالحق وبه يعدلون ، فوجد أمّة عادلة فقال لهم : أخبروني إنّي درت الدّنيا فلم أر مثلكم ما بال قبور موتاكم على أبواب بيوتكم ؟
قالوا : لئلاّ ننسى الموت ولا يخرج ذكره من قلوبنا .
قال : فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب ؟
قالوا : ليس فينا متّهم ولا ظنين ولا لصّ ، وليس فينا إلاّ أمين .
قال : فما بالكم ليس عليكم أمرآء ؟ قالوا : لا نتظالم .
قال : فما بالكم ليس بينكم حكّام ؟ قالوا : لا نختصم .
قال : فما بالكم ليس منكم ملوك ؟ قالوا : لا نتكاثر (1) .
قال : فما بالكم ليس فيكم أشراف ؟ قالوا : لا نتنافس .
قال : فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون ؟ قالوا : من قبل أنا متواسون ومتراحمون .
قال : فما بالكم لا تتنازعون ولا تغتالون قالوا : من قبل ألفة قلوبنا وإصلاح ذات البين .
قال : فما بالكم لا تسبّون ولا تقتلون ؟ قالوا : من قبل أنّا غلبنا طبائعنا بالعزم وسُسنا أنفسنا (2) بالحلم .
قال : فما بالكم كلمتكم واحدة وطريقتكم ؟ مستقيمة ؟ قالوا : من قبل انا لا نتكاذب
____________
(1) الزيادة من البحار وبعض النّسخ من القصص .
(2) في ق 4 : ووسمنا أنفسنا ، وفي البحار : وسننا .
( 125 )
ولا نتخادع ولا يغتاب بعضنا بعضاً .
قال : فأخبروني لم ليس فيكم مسكين ولا فقير ؟ قالوا : من قبل أنّا نقتسم (1) بالسّوية .
قال : فما بالكم ليس فيكم فظ ولا غليظ ؟ قالوا : من قبل الذّلّ والتّواضع .
قال : فلم جعلكم الله أطول النّاس أعماراً ؟ قالوا : من قبل أنّا نتعاطى بالحق ّ ونحكم بالعدل .
قال : فما بالكم لا تقحطون ؟ قالوا : من قبل أنّا لا نغفل عن الإستغفار .
قال : فما بالكم لا تحردون (2) ؟ قالوا : من قبل أنّا وطّنا أنفسنا على البلاء وحرصنا عليه فعزّينا (3) أنفسنا .
قال : فما بالكم لا تصيبكم الآفات ؟ قالوا : من قبل أناّ لا نتوكّل على غير الله تعالى ولا نستمطر بالأنواء والنّجوم .
قال : فحدّثوني أهكذا وجدتم آبائكم يفعلون ؟ قالوا : وجنا آبائنا يرحمون مسكينهم ، ويواسون فقيرهم ، ويعفون عمّن ظلمهم ، ويحسنون إلى من اساء إليهم ، ويستغفرون لمن سبّهم ، ويصلون أرحامهم ، ويؤدّون أمانتهم ، ويصدقون ولا يكذبون ، فأصلح الله بذلك أمره .
فأقام عندهم ذو القرنين حتّى قبض ، ولم يكن له فيهم عمر ، وكان قد بلغ السّن وأدرك الكبر ، وكان عدّة ما سار في البلاد إلى يوم سار في البلاد إلى يوم قبضه الله تعالى خمسمائة عام (4) .
____________
(1) في ق 4 والبحار : نقسم .
(2) في البحار : لا نحزنون ، وفي ق 3 : لا تجأرون .
(3) في ق 1 وق 3 وق 5 : فعرينا .
(4) بحار الأنوار ( 12 | 183 ـ 193 ) عن كمال الدين ، ورواه الصدوق مسنداً عن عبدالله بن سليمان في إكمال الدين ص ( 394 ـ 406 ) ، برقم : ( 5 ) .
( 126 )
الباب السادس
( في نبوّة يعقوب ويوسف عليهما السّلام )
127 ـ أخبرنا الشيخ أبو سعد الحسن بن علي الآرابادي (1) ، والشيّخ ابو القاسم الحسن بن محمد الحديقي ، عن جعفر بن محمد بن العبس ، عن أبيه عن ابن بابويه ، حدّثنا محمد بن موسى بن المتوكّل ، حدّثنا عبدالله بن جعفر ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطيّة ، عن أبي حمزة الثّمالي ، قال : صلّيت مع علي بن الحسين صلوات الله عليهما الفجر يوم الجمعة ، فنهض إلى منزله وانا معه ، فدعا مولاة له فقال : لا يقف اليوم على بابي سائل إلاّ أطعمتموه ، فانّ اليوم يوم الجمعة قلت : ليس كلّ سائل محقّ .
فقال : أخاف أن يكون بعض من يسألنا محقّاً فلا نطعمه ونردّه ، فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب وآله عليهم السلام أطعموهم ، إنّ يعقوب كان يذبح كلّ يوم كبشاً ، فيتصدق منه ويأكل هو وعياله منه ، وأنّ سائلا مؤمناً صواماً قوّاماً محقّاً له عند الله منزلة كان مجتازاً غريباً إعتربباب يعقوب عشيّة الجمعة عند أوان إفطاره ، فهتف على بابه : أطعموا السّائل الغريب الجائع من فضل طعامكم . فلمّا يئس شكا جوعه إلى الله تعالى وبات خاوياً وأصبح صائماً ، وباب يعقوب وآله شباعاً بطاناً ، وأصبحوا عندهم فضلة من طعام ، فأوحى الله تعالى إلى يعقوب صلوات الله عليه : استوجبت بلواي أو ما علمت أنّ البلوى إلى اوليائي أسرع منها إلى أعدائي ، وذلك حسن نظرمنّي لأوليائي ، استعدّ والبلائي .
____________
(1) راجع رياض العلماء ( 2 | 436 ) فانّ اللّقب بهذا النّحو مضبوط فيه فقط .
( 127 )
فقلت لعلي بن الحسين صلوات الله عليهما : متى رأى الرّؤيا ؟ قال : في تلك اللّيلة الّتي بات فيها يعقوب صلوات الله عليه وآله شباعاً ، وبات فيها ذلك الغريب جائعاً ، فلمّا قصّها على أبيه اعتمّ يعقوب لما سمع من يوسف مع ما اُوحي إليه : أن استعدّ للبلاء ن وكان اوّل بلوى نزل بآل يعقوب الحسد ليوسف عليه السلام ، فلمّا رآى إخوة يوسف كرامة أبيه إيّاه اشتدّ عليهم فتآمروا حتّى قالوا : ( أرسله معنا غداُ يرتع ويلعب ) (1) فلمّا خرجوا من أتوا به غيضة أشجار ، فقالوا نذبحهه ونلقيه تحت شجرة يأكله الذّئب ، فقال كبيرهم : لا تقتلوه ولكن ألقوه في غيابة الحبّ فألقوه فيه ، وهم يظنّون أنّه يغرق فيه .
فلمّا أمسوا رجعوا إلى أبيهم « عشاء يبكون قالوا يا أبانا إنّا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذّئب ) (2) فاسترجع وعبر فصبر وأذعن للبلوى ، وقال : ( بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل ) (3) ما كان الله ليطعم لحم يوسف الذّئب .
قال أبو حمزة : ثم انقطع حديث علي بن الحسين زين العابدين صلوات الله عليه ، فلما كان من الغدو عدوت إليه ، فقلت : إنّك حدّثت أمس بحديث يعقوب ، فما كان من قصّة إخوة يوسف بعد ذلك ؟ فقال : إنّهم لمّا أصبحوا قالوا : انطلقوا بنا حتّى نظر ما حال يوسف أمات أم هو حيّ ؟ فلمّا انتهوا إلى الجبّ وجدوا سيّارة قد أرسلوا واردهم ، فأدلى دلوه فمّا جذب الدّلو إذا هو بغلام متعلق بدلوه ، فلمّا أخرجه قال إخوة يوسف : هذا عبدنا سقط أمس في هذا الجبّ وجئنا اليوم لنخرجه ، فنتزعوه منه وقالوا له : إمّا أن تقرّ لنا أنّك عبد لنا ، فنبيعك من بعض هذه السّيارة أو نقتلك ، قال : اصنعوا ما شئتم ، فأقبلوا إلى السيّارة وقالوا لهم : آمنكم من يشتري هذا العبد منّا ؟ فاشتراه بعضهم بعشرن درهماُ وسار من اشتراه حتّى أدخله مصر .
فقلت لعلي بن الحسين عليهما السلام : إبن كم كان يوسف صلوات الله عليه يوم ألقيّ في الجبّ ؟ قال : كان ابن تسع سنين قلت : فكم كان بين منزل يعقوب يومئذ وبين مصر ؟ قال : مسيرة اثنى عشر يوماً . وكان يوسف عليه السلام من أجمل أهل زمانه فاشتراه العزيز
____________
(1) سورة يوسف ( 12 ) .
(2) سورة يوسف ( 16 ـ 17 ) .
(3) سورة يوسف : ( 18 ) .
( 128 )
وراودته امرأته ، فقال : معاذ الله أنا من أهل بيت لا يزنون ، فأفلت منها هارباً إلى الباب ، فلحقته فجذبت قميصه من خلفه ( وألفيا سيّدها لدى الباب قالت ما جزآء من اراد بأهلك سوءاً إلاّ أن يسجن ) (1) فهمّ الملك بعذاب يوسف عليه السلام ، فقال يوسف عليه السلام هي راودتني فاسأل هذا الصّبيّ ، فأنطق الله الصّبيّ بفصل القضاء ، فقال أيّها الملك : انظر إلى قميص يوسف ، فإن كان مقدوداً من قدّامه فهو الّذي راودها ، وإن كان مقدوداً من خلفه فهي الّتي راودته ، فأفزع الملك ذلك ودعى بالقميس ونظر إليه فرآه مقدوداً من خلفه قال : إنّ من كيدكنّ وقال ليوسف : اكتم هذا .
فلمّا شاع أمر امرأة العزيز والنّسوة الّلآتي قطّعن أيديهنّ ، سجن يوسف عليه السلام ، ودخل معه السّجن فتيان ، وكان من قصّته ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز (2) .
فصل ـ 1 ـ
128 ـ وباسناده عن ابن محبوب ، عن الحسن بن عمارة ، عن مسمع أبي سيّار (3) ، عن أبي عبدالله صلوات الله عليه قال : لمّا ألقى إخوة يوسف يوسف في الجبّ نزل عليه جبرئيل ، فقال : يا غلام من طرحك في هذا الجبّ ؟ فقال : إخوتي بمنزلتي من أبي حسدوني ، قال : أتحبّ أن تخرج من هذا الجبّ ؟ قال : ذلك إلى إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، قال : فإن الله يقول لك : قل اللّهمّ إنّي أسألك بأنّ لك الحمد لا إله إلاّ أنت ، بدين السّماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام ، ان تصلّي على محمد وآل محمد ، وأن تجعل لي من أمري فرجاً ومخرجاً وترزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب (4) .
129 ـ وبإسناده عن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي نصر ، عن الرّضا عليه السّلام في قوله تعالى : ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ) (5) قال : كانت
____________
(1) سورة يوسف : ( 25 ) .
(2) بحارالأنوار ( 12 | 271 ـ 276 ) ، برقم : ( 48 ) عن علل الشرائع مبسوطاص . وما هو المذكور هنا زبدته ومختصره .
(3) في البحار : عن أبي سيّار ، وهو مسمع بن عبد الملك كردين .
(4) بحار الأنوار ( 95 | 189 ) ، برقم : ( 16 ) و( 12 | 248 ) ، برقم : ( 13 ) .
(5) سورة يوسف : ( 20 ) .
( 129 )
عشرين درهما والبخس : النقص ، وهي قيمة كلب الصّيد إذا قتل (1) .
130 ـ وبإسناده عن الحسن بن محبوب ، عن أبي إسماعيل الفرّا ، عن طربال ، عن أبي عبدالله صلوات الله عليه قال : لمّا أمر الملك بحبس يوسف عليه السّلام في السجن ألهمه الله تأويل الرّؤيا ، فكان يعبر لأهل السجن رؤياهم (2) .
131 ـ وعن ابن أبي نصر ، عن أبي جميلة ، عن عبدالله بن سليمان ، عن أبي عبدالله صلوات الله عليه قال : كان يوسف عليه السّلام بين أبويه مكرماً ، ثم صار عبداً ، فصار ملكاً (3) .
132 ـ وعن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي ، عن حماد بن عثمان ، عن جميل ، عن سليمان بن عبدالله الطّلحي قال : قلت لأبي عبدالله عليه السلام : ما حال بني يعقوب ؟ هل خرجوا عن الإيمان ؟ فقال : نعم . قلت : فما تقول في آدم عليه السلام ؟ قال : دع آدم (4) .
133 ـ وعن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن حنّان بن سديل قال : قلت لأبي جعفر صلوات الله عليه : أكان أولاد يعقوب أنبياء ؟ قال : لا ، ولكنّهم كانوا أسباطا أولاد الأنبياء ، ولم يفارقوا إلاّ سعدآء ، تابوا وتذكّروا ممّا صنعوا (5) .
فصل ـ 2 ـ
134 ـ وأخبرنا الشّيخ أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، عن جعفر الدوريستي ، عن الشّيخ المفيد ، عن ابن بابويه ، عن أبيه ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير عن أبي جعفر صلوات الله عليه قال : لمّا فقد يعقوب يوسف عليهما السلام اشتدّ حزنه وتغيّر حاله ، وكان يمتار القمح من
____________
(1) بحار الأنوار ( 12 | 222 ) .
(2) بحار الأنوار ( 12 | 290 ) ، برقم : ( 72 ) و( 61 | 172 ) ، برقم : ( 30 ) .
(3) بحار الأنوار ( 12 | 290 ) ، برقم : ( 73 ) .
(4) بحار الأنوار ( 12 | 290 ـ 291 ) ، برقم : ( 74 ) .
(5) بحار الأنوار ( 12 | 291 ) ، برقم ( 75 ) .
( 130 )
مصر لعياله في السّنة مرّتين في الشّتاء والصّيف ، فانّه بعث عدّة من ولده ببضاعة يسيرة مع رفقة خرجت ، فلمّا دخلوا على يوسف عليه السلام عرفهم ولم يعرفوه ، فقال : هلمّوا بضاعتكم حتّى أبدأ بكم قبل الرّفاق وقال لفتيانه : عجّلوا لهؤلاء بالكيل وأوقروهم ، واجعلوا بضاعتهم في رحالهم إذا فرغتم .
وقال يوسف لهم : كان أخوان من أبيكم فما فعلاً ؟ قالوا : أمّا الكبير منهما فإنّ الذّئب أكله ، وأمّا الأصغر فخلّفناه عند أبيه ، وهو به ضنين وعليه شفيق . قال : إنّي أحبّ أن تأتوني به معكم إذا جئتم لتمتاروا ، ولمّا فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم فيها ( قالوا : يا أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردّت إلينا ) (1) فلمّا احتاجوا إلى الميرة بعد ستّة أشهر بعثهم ، وبعث معهم ابن يامين ببضاعة يسيرة ، فأخذ عليهم ( موثقاً من الله لتأتنّني به ) (2) فانطلقوا مع الرّفاق حتّى دخلوا على يوسف ، فهيّأ لهم طعاماً وقال : ليجلس كلّ بني أمّ على مائدة ، فجلسوا وبقي ابن يامين قائماً ، فقال له يوسف: مالك لم تجلس ؟ فقال : ليس لي فيهم ابن أمّ ، فقال يوسف : فمالك ابن أمّ ؟ قال : بلى زعم هؤلاء أنّ الذّئب أكله .
قال : فما بلغ من حزنك عليه ؟ قال : ولد لي أحد عشر ابناً لكلّهم أشتق اسماً من اسمه ، فقال : اراك قد عانقت النّساء وشممت الولد من بعده ، فقال : انّ لي أباً صالحاً قال لي : تزوّج لعلّ الله أن يخرج منك ذرية تثقّل الأرض بالتّسبيح ، قال يوسف : فاجلس معي على مائدتي ، فقال إخوة يوسف : لقد فضّل الله يوسف واخاه حتّى أنّ الملك قد أجلسه معه على مائدته ، وقال لإبن يامين : إنّي أنا أخوك فلا تبتئس بما تراني أفعل واكتم ما أخبرتك ، ولا تحزن ولا تخف .
ثمّ أخرجه إليهم وأمر فتيته أن يأخذوا بضاعتهم ويعجّلوا لهم الكيل ، فإذا فرغوا جعلوا (3) المكيال في رحل أخيه ابن يامين ، ففعلوا ذلك وارتحل القوم مع الرّفقة ، فمضوا ولحقهم فتية يوسف ، فنادوا ( أيّتها العير إنّكم لسارقون ) (4) قالوا : « ماذا تفقدون قالوا
____________
(1) سورة يوسف : ( 65 ) .
(2) سورة يوسف : ( 66 ) .
(3) كذا في ق 1 وفي بقية النّسخ والبحار : فاجعلوا .
(3) سورة يوسف : ( 70 ) .
( 131 )
نفقد صواع الملك . . . قالوا : وما كنّا سارقين قالوا : فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا : ( جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه ) ( فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثمّ استخرجها من وعاء أخيه ) ( قالوا : إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل ) (1) ثم ( قالوا : يا أيها العزيز إنّ له أباً شيخاً كبيراً فخذ أحدنا مكانه ) ( قال : معاذ الله أن نأخذ إلاّ من وجدنا متاعنا عنده ) (2) قال كبيرهم : إنّي لست أبرح الارض حتّى يأذن لي أبي .
فمضى إخوة يوسف حتّى دخلوا على يعقوب صلوات الله عليه ، فقال لهم : أين ابن يامين ؟ قالوا : سرق مكيال الملك ، فحبسه عنده ، فأسأل أهل القرية والعير حتّى يخبروك بذلك ، فاسترجع يعقوب واستعبر حتّى تقوّس ظهره ، فقال يعقوب : يا بنيّ اذهبوا فتحسّسوا من يوسف وأخيه ، فخرج منهم نفر وبعث معهم بضاعة وكتب معهم كتاباً إلى عزيز مصر يعطفه على نفسه وولده .
فدخلوا على يوسف بكتاب أبيهم ، فأخذه وقبّله وبكى ، ثم أقبل عليهم فقال : ( هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه ) قالوا : أأنت يوسف ؟ ( قال : أنا يوسف وهذا أخي ) وقال يوسف : ( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم ) و( اذهبوا بقميصي هذا ) بلّته دموعي ( فألقوه على وجه أبي وأتوني بأهلكم أجمعين ) (3) .
فأقبل ولد يعقوب عليه السلام يحثّون السّير بالقميص ، فلمّا دخلوا عليه قال لهم : ما فعل ابن يامين ؟ قالوا : خلّفناه عند أخيه صالحاً ، فحمد الله عند ذلك يعقوب وسجد لربّه سجدة الشكر واعتدل ظهره ، وقال لولده : تحملوا إلى يوسف من يومكم ، فساروا في تسعة أيّام إلى مصر ، فلمّا دخلوا اعتنق يوسف اباه ورفع خالته ، ثم دخل منزله وأدهن ولبس ثياب الملك ، فلمّا رأوه سجدوا شكراً لله ، وما تطيّب يوسف في تلك المدّة ولا مسّ النّساء حتّى جمع الله ليعقوب صلوات الله عليه شمله (4) .
____________
(1) سورة يوسف : ( 75 ـ 77 ) .
(2) سورة يوسف : ( 78 ـ 79 ) .
(3) سورة يوسف : ( 89 ـ 93 ) .
(4) بحار الأنوار ( 12 | 287 ـ 289 ) ، برقم : ( 71 ) .