كبار السن في اليابان: ظاهرة خارقة للطبيعة
شباب فوق الـ ١٠٠ عام !
أصبحت المسابقات الرياضية التي تقام خصيصاً لكبار السن شائعة في اليابان وذلك نظراً للتزايد المستمر لأعداد المسنين. وتتعدي أعمار بعض هؤلاء المشاركين المئة عام!! في هذا المقال نعرفكم على بعض هؤلاء الرياضيين الخارقين.
نجم فوق الـ ١٠٠عام !
كان ملتقى انترناشونال غولد ماسترز ٢٠١٣ الذي أقيم بمدينة كيوتو اليابانية في الخامس والسادس من أكتوبر/تشرين الأول حافلاً بالرياضيين الكبار في السن القادمين من شتى أنحاء العالم. فقد كان هذا الملتقى المكان الذي حقق فيه الرياضي ميازاكي هيديكيتشي البالغ ١٠٣ سنة إنجازه في سباق الـ ١٠٠ متر. ففي تمام الساعة الحادية عشرة وأربعين دقيقة صباحا من يوم ٦ من أكتوبر/ تشرين الأول، اطلقت طلقة البداية لسباق الـ ١٠٠ متر لفئة الرجال الأكبر سناً في هذا الملتقى (أي للرجال الذين هم في الثمانينات ومافوق). وكان ميازاكي الذي ركض في الحارة الثانية هو العداء الوحيد الذي كان قد تعدى المئة عام. أما بقية العدائين فكانوا في الثمانينات من أعمارهم وبالطبع توجهت الأنظار إلى ميازاكي الذي يحمل في جعبته خبرة قرن من الزمان. حيث كانت عدسات الكاميرات تراقب كل تحركاته وسرعان ما انطلق ميازاكي نحو خط النهاية مستخدما كل مخزوناته من الطاقة، وحينما اقترب من خط النهاية، ارتفعت تصفيقات الجمهور الحارة التي كادت تصم الآذان.
أنهى ميازاكي السباق بوقت قياسي يبلغ ٣٤٫١٠ ثانية. لكن بسبب سرعة الرياح التي تجاوزت الحد المسموح به (وهو ٢متر بالثانية) لم يتم اعتماد الرقم بشكل رسمي. ومع ذلك يعتبر هذا الرقم إنجازا حيث أنه تمكن من تحطيم رقمه السابق والبالغ ٣٦٫٧٧ الذي حققه في الدورة الـ ٣٤ لبطولة الماسترز اليابان لألعاب القوى التي أقيمت في مدينة ساغا قبل شهر. وفي تعليق على انجازه في هذه البطولة قال ميازاكي الذي بدت عليه معالم الرضا: ”أنا سعيد جدا“. ولد ميازاكي في ٢٢ سبتمبر/أيلول ١٩١٠، وقد شارك بالسباق في ساغا في ٧ سبتمبر/أيلول حين كان مايزال عمره ١٠٢ سنة. فلذلك يعتبر تمكن ميازاكي من تحسين رقمه بـ ٢٫٦٧ ثانية في مسقط رأسه كيوتو بعد مضي ١٤ يوماً من عيد ميلاده الـ ١٠٣ شيئاً يدعو للفرح.
ميازاكي هيديكيتشي أكبر متسابق في ملتقى انترناشونال غولد ماسترز ٢٠١٣، ويبلغ ١٠٣ سنة. (الصورة مقدمة من ماسترز اليابان لألعاب القوى).
كان ميازاكي في التسعينات عندما شارك لأول مرة في بطولات الماسترز لألعاب القوى. وقد بدأ بالتدريب لفعاليات مختلفة تضم دفع الكرة الحديدية (وزنها ٣ كغ) وهو في الـ ٩٢ من عمره وعندما بلغ المئة سنة في ٢٠١٠ أنهي مسافة الـ ١٠٠ متر بزمن وقدره ٢٩٫٨٣ ثانية ويعتبر هذا الرقم العالمي (لفئة M100 أي الرجال من أعمار ١٠٠ـ ١٠٤). كما استطاع في ملتقى كيوتو غولد ماسترز هذه السنة دفع الكرة الحديدية مسافة تبلغ ٣٫٤٨ مترا، كذلك وصلت المسافة إلى ٣٫٨٣ عندما بلغ عمره المئة عام واستطاع تجاوز الأربعة أمتار وحقق مسافة قدرها ٤٫٠٢ متراً وذلك بعد بلوغه سن الـ ١٠١. أما في ساغا فقد رمى الكرة مسافة قدرها ٣٫٤٣ مترا وهو مايزال في الـ ١٠٢ سنة من العمر.
لقد بدأ ميازاكي بالمشاركة في بطولات الماسترز عندما أصبح كبيرا في العمر ولم تكن رحلته الرياضية سهلة وسلسة بل تعرض للعديد من الحوادث والإصابات كما عاني من أمراض خطيرة. حيث دخل المستشفى سنة ٢٠٠٧ لمدة ثلاثة أشهر بسبب كسر في رجله وإضطر حينها إلى التنقل بكرسي متحرك. ومع ذلك فقد عمل بجد وإصرار في جلسات إعادة التأهيل وتمكن من العودة تدريجيا للمشاركة في فعاليات ألعاب القوى. وكان شعاره طوال تلك الفترة : ”عليك المتابعة باستمرار“.
حلم الوصول إلى أوليمبياد الماسترز لكبار السن
كان ميازاكي أكبر الرياضيين في ملتقى كيوتو غولد ماسترز الذي شارك فيه حوالي ٨٧٠ متسابق ومتسابقة قدموا من ١١ منطقة في اليابان وأنحاء العالم. وتم إقامة هذا الحدث الرياضي في كل من مسبح كيوتو أكوا إريا واستاد نيشيكيوغوكو لألعاب القوى وكانت أعمار كل المشاركين في هذا الملتقى تتجاوز الـ ٤٥ عاماً.
كانت هذه المرة الثانية التي يقام فيها هذه الحدث الرياضي في مدينة كيوتو التي سبقت وأن استضافت الحدث عام ٢٠٠٩. وقد أصبح هذا الحدث أكثر من مجرد ملتقى رياضي بل أصبح يهدف إلى تشجيع كبار السن علي توسيع دائرتهم الاجتماعية وفي نفس الوقت الحفاظ على صحتهم والاستمتاع بالرياضة. وتعد اليابان من أكثر البلدان التي ترتفع فيها نسبة المعمرين، وتأمل أن يؤدي انتشار دورات الماسترز بها إلى إقامة أوليمبيا الماسترز لكبار السن في المستقبل القريب.
البيض النيء مصدر الطاقة
يعتبر ملتقى كيوتو ماسترز خطوة مهمة في مجال رياضات كبار السن. إلى جانب ميازاكي تسلط الضوء على المتسابقة موريتا ميتسو البالغة ٩٠ عاماً من العمر. وقد حازت موريتا التي جاءت من محافظة كوماموتو على اهتمام الإعلام وتم عقد مقابلات معها من قبل ما لا يقل عن ١٩ وسيلة إعلامية أغلبها من محطات التلفزيون. ووصل الأمر إلى حد أن بعض هذه المحطات غطت كل حركة قامت بها بالتفصيل الممل. وموريتا هي صاحبة الرقم العالمي للـ ١٠٠ متر والبالغ ١٩٫٨٣ ثانية في فئة W85 (أي السيدات من ٨٥ ـ ٨٩ سنة)، وصاحبة رقم الـ ٢٠٠ متر والبالغ ٤٠٫٧٨ في فئة W80 (أي ٨٠ ـ ٨٤ سنة) وأخيرا رقم الـ ٢٠٠ متر في فئة W85 بزمن قدره ٤٥٫٦٥.
وفي ٢٩ يونيو/ حزيران ٢٠١٣ بلغت موريتا سن الـ ٩٠ وفي اليوم التالي بملتقى الماسترز لألعاب القوى بناغاساكي ركضت الـ ٢٠٠ متر بزمن قدره ٥٥٫٦٢ ثانية في فئة الـ W90 (أي فئة سن الـ ٩٠ ـ ٩٤) محطمة بذلك الرقم السابق وهو ٥٦٫٤٦ ثانية. وقد قالت إنها : ”عازمة على تحقيق نتيجة أفضل من ذلك في كيوتو“. وحققت في أول يوم من البطولة وذلك في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول نتيجة جيدة حيث ركضت الـ ٢٠٠ متر في فئة سن (٩٠ ـ ٩٤) بزمن ٥٥٫٩٠ ثانية. على الرغم من أنها لم تستطع تحطيم رقمها الذي حققته في ناغازاكي إلا أنها استطاعت تتجاوز أرقامها السابقة مرتين هذا الموسم. وبعد هذا السباق بثلاث ساعات وعشرين دقيقة ركضت بخفة وحيوية الـ ٦٠ متر لنفس الفئة بزمن ١٣٫٦٣ وسوف تدخل موسوعة الأرقام القياسية كحاملة للرقم الياباني.
وفي اليوم الأخير يقام أكثر السباقات إثارة ألا وهو سباق الـ ١٠٠ متر. وانطلقت موريتا منذ بداية النصف الأول للسباق بقوة وهي تركض بطريقتها المميزة المعروفة بأرجحة واسعة لأذرعها واندفاعها القوي. وكان الزمن الذي حققته ٢٣٫١٥ متمكنة من تحطيم رقمها السابق الذي بلغ ٢٣٫١٨ ثانية والذي صمد لمدة عشرة سنوات. وكانت موريتا قد بدأت بالمشاركة في المسابقات منذ ٢١ سنة عندما كانت في الـ ٦٩ سنة من العمر. وتقول أن مصدر طاقتها هو البيض النيء الذي تتناوله في الصباح.
حققت موريتا ميتسو البالغة ٩٠ عاماً من العمر رقما قياسيا جديدا في فئة السيدات من أعمار ٩٠ ـ ٩٤ سنة. (الصورة مقدمة من ماسترز اليابان لألعاب القوى).
منافسة تتجاوز عتبة الزمن
كما قدمت ناكانو يوكو من طوكيو والبالغة ٧٧ سنة من العمر أداءا مميزا ونالت جائزة الغولد ماسترز للسيدات. وقد تمكنت من تحقيق رقم البطولة البالغ ٣ دقائق و٢٠٫٨٨ ثانية في سباق الـ ٨٠٠ متر لفئة W75 (سن ٧٥ ـ ٧٩)، كذلك حققت رقم سباق الـ ١٥٠٠ متر بزمن قدره ٦ دقائق و٥٥٫٤٩ ثانية. وكان هذا الرقم أول الأرقام العالمية التي تسجل في هذه البطولة منذ سبعة سنوات. لطالما كانت ناكانو محبة للرياضة فقد ذهبت إلى أصقاع العالم لتتزلج على الثلج. وبلوغها سن السبعين كان حافزا لها للمشاركة في بطولات الماسترز. فركضت مارثون هونولولو في سن الـ٧١ وأنهت السباق بزمن خيالي قدره ٤ ساعات و٤٤ دقيقة و٤٤ ثانية.
كما سلطت الأضواء على متسابقان إثنان هما واتانابي غينتارو البالغ ٩٦ عاما من أوساكا وواتانابي كازو البالغ ٦٦ سنة من العمر، وفي الواقع فإنهما عائلة واحد (أب وابن). وقد استطاع الأب الانتصار في ثلاث فعاليات هي سباق ٦٠ متر بزمن ١٦٫٩٦ ثانية ودفع الكرة الحديدية بمسافة قدرها ٣٫٦٩ متر ورمي القرص بمسافة ٧٫٢١ متر.
كان غينتارو نائب رئيس ماسترز اليابان لألعاب القوى الذي تأسس في أبريل/نيسان ١٩٨٠، وهو الآن نائب الرئيس الفخري. ولا يزال حتى الآن يتنافس في فعاليات سباق الـ ٦٠ متر ودفع الكرة الحديدية ورمي القرص. ويهدف أن يركض سباق الـ ٤٠٠ متر بزمن يعادل عمره (أي ٩٦ ثانية). عندما كان غينتارو في الثمانين سنة ١٩٩٨ ركض السباق بزمن ٧٧٫٨٥ ثانية متجاوزا بذلك عتبة سعته الهوائية.
وقد صرح ابنه كازو قبل بدء السباق :”أريد أن أحطم أرقام والدي الذي ركض سباق الـ ١٠٠ متر بـ ١٣٫٥ ثانية والـ ٢٠٠ متر بـ ٢٨٫٢ ثانية عندما كان في الـ ٦٦ سنة من عمره“. إلا أن كازو جاء في المركز السادس في سباق الـ ١٠٠ متر بزمن ١٣٫٧٤ ثانية وحل في المركز الخامس في سباق الـ ٢٠٠ متر بزمن قدره ٢٩٫١٥ ثانية. على الرغم من أنه لم يستطع أن يهزم أباه إلا أنه يقول: ”إنه من المؤسف أنني لم أستطع التغلب عليه ولكنني سأستمر بالمحاولة وسأغلبه عاجلا أم آجلا“.
زوج يتغلب على السرطان
وقد شارك أزواج آخرون في سباقات لا تحمل نفس الحدة في روح التنافس. فكل من إيشيكاوا تاداشي وزوجته يوكو (٨٠ عاما) عضوان في ماسترز محافظة إيواتي لألعاب القوى. وقد شاركا في فعاليات بطولة الماسترز ٢٠١٣ لألعاب القوى وذلك بعد تجاوزهم الصدمة التي عانيا منها جراء كارثة زلزال شرق اليابان. وهذه هي المرة الـ ٢٦ التي يشاركان فيها في هذا الحدث، بالإضافة لكارثة الزلزال المدمر فقد مرت عليهم خلال تلك الأعوام أوقات عصيبة، حيث اضطر كلاهما إلى الخضوع لعملية جراحية لمعالجة السرطان. ففي ملتقى كيوتو حل تاداشي في المركز الثاني بسباق الـ ٦٠ متر بزمن ٩٫٣٧ ثانية، والمركز الثالث في سباق الـ ١٠٠ متر بزمن ١٥٫٣٢ ثانية وذلك في فئة M80 (سن ٨٠ ـ ٨٤). أما يوكو فقد حلت في المركز الثاني في كل من مسابقة دفع الكرة الحديدية (٢ كغ) وحققت مسافة قدرها ٣٫٩٥ متر ورمي القرص (٠٫٧٥ كغ) وحققت مسافة ٧٫٨٢ متر. وقد تمكن هذا الثنائي من حصد ٥٨ ميدالية حتى نهاية السنة الماضية. وقد صرحا بأنهما يأملان في حصد المزيد من الميداليات والاستمرار بالمشاركة في المسابقات.
ماضي ومستقبل ماسترز اليابان لألعاب القوى
المنظم الرئيسي لـ (انترناشونال غولد ماسترز ٢٠١٣) بكيوتو هي الاتحاد الوطني لماسترز اليابان لألعاب القوى. تم تأسيس الإتحاد من قبل أودا ميكيو عام ١٩٨٠ وتقلد منصب رئيس مجلس الإتحاد. وكان أودا من أوائل من سجلوا اسمائهم في كتب التاريخ فهو أول ياباني حاز على الميدالية الذهبية بمسابقة الوثب الثلاثي في أوليمبياد امستردام عام ١٩٢٨. لقد مر ٣٣ عاما على بطولة الماسترز لألعاب القوى، ويتقلد منصب رئيس المجلس كونوئيكي كيوشي (٧٦ سنة) من محافظة واكاياما. وهو الرئيس السادس للإتحاد، ويعتبر الجندي المجهول الذي عمل للحفاظ على قوة المؤسسة ونجاحها.
وقد تم إقامة أول بطولة ماسترز بوكاياما عام ١٩٨٧٨ إلا أنه تم تأسيس الإتحاد بعد عامين من ذلك. فبالإضافة إلى تولي كونوئيكي للأمور الإدارية فهو مايزال يلعب ويشارك كأحد الرياضيين. ففي ماسترز كيوتو، حاز على المركز الأول في فئة M75 (سن ٧٥ ـ ٧٩) بمسابقة الوثب الطويل (المسافة ٣٫٨١ متر). وقد أحبط عندما حل ثانيا في سباق الـ ٨٠ متر حواجز بزمن ١٧٫١٩ ثانية (على الرغم من أن هذا الزمن أفضل من الرقم القياسي السابق). لقد شارك كونوئيكي بـ١٩ بطولة عالم متتالية وهو أكثر من أي رياضي آخر في اليابان.
يرى كونوئيكي أن هذه البطولات هي الطريقة المثلى للحفاظ على طاقته وتحمله. ويحلم بأن تقام أوليمبياد الماسترز في يوم من الأيام، ويهدف لأن يستمر بالركض حتى لو أصبح عمره مئة سنة. وكونوئيكي هو واحد من ١٠ آلاف رياضي موجود في اليابان، ويعتبر هؤلاء الماسترز وسيلة تعطيهم سببا للحياة وتحقيق الأحلام. وإني أعتقد أن أداءهم على المضمار والميدان يلهمنا للعمل الدؤوب.