تقاليد الألمان في تناول طعامهم مستمرة رغم عواصف العولمة
للألمان تقاليدهم في تناول الطعام كالإلتزام بدقة المواعيد وحبهم لمأكولات معينة، وعلى الرغم من التغيرات التي يشهدها المطبخ الألماني على وقع التنوع الثقافي وسرعة التحولات في حياتنا اليومية، فإن هذه التقاليد ما زالت متوارثة.
آنِّي كيرمان، أم وجدة ذات شخصية المرحة، اعتادت منذ أكثر من أربعة عقود أن تجلس يوميا بين الساعة السابعة والثامنة صباحا حول مائدة الإفطار مع زوجها باول. تتحدث بابتسامة عن عادات وطقوس الطعام التي عايشتها مع أهلها ومن ثم مع زوجها وأولادها وأحفادها. تقول آنِّي بأن الكثير من الأمور تغيرت بالنسبة لها، غير أن عادات وطقوس العائلة في تناول الطعام لم تتغير يشكل عام، وتضيف: "يجب أن نبدأ صباحنا بوجبة إفطار من خبز "التوست" أو "البروتشن" مع شرائح الجبن، والبيض، والمربى والعسل. وطبعا لا بد من القهوة مع الإفطار".
تتحدث الجدة وهي منهمكة في تحضير وجبة غداء مكونه من الخضروات واللحوم بناء على رغبة إحدى حفيداتها التي اعتادت أن تتناولها في بيت الجد والجده. من المفترض أن تكون وجبة الغداء ما بين الساعة الثانية عشره والواحدة ظهرا، حيث تؤكد آنِّي بأن هذه العادة لا يمكن تغييرها، لأنهم أصبحوا مبرمجين على ذلك. كما تضيف بأن "هناك وجبات ألمانية اعتدنا عليها مثل الخضروات الطازجه، البطاطا بأشكالها المختلفة والنقانق المشوية. فنحن نحب الخضروات الطازجة، ولا نفضل الوجبات السريعة، لأننا نتمتع في تحضير الطعام."
وبعد أن تفتح باب ثلاجتها لتخرج "البودينغ" الذي صنعته بنفسها ليكون الحلوى الذي يتبع وجبة الغداء، تحدثنا آنِّي عن عادة تناول القهوة والكعك التي تكون بعد الظهر في حدود الساعة الثالثة والنصف. تقول: "هذه من العادات الالمانيه التي نحبها كثيرا، وفي عطلة نهاية الأسبوع نكون ذات نكهة خاصة مع العائلة أو الأصدقاء". وجدير بالذكر هنا أن الألمان يشتهرون بصناعة الحلويات و"التورتات" ذات الأشكال والأنواع المختلفة، كما يشتهرون بتحضير أنواع الخبز اللذيذة التي لا تعد ولا تحصى.
تغيرات في عادات الطعام
هناك مثل ألماني يلخص عادات الطعام عند الألمان بالقول "كُل صباحا مثل القياصرة، وظهرا مثل النبلاء ومساءا مثل الفقراء"!، وبالفعل فإن النسبة الأكبر من الألمان يفضلون تناول وجبة العشاء الخفيفة التي تتكون غالبا من الخبز الأسود مع الزبدة وشرائح "السلامي أو المورتديلا"، كما هو الحال لدى آنِّي وباول اللذان يحاولان دوما التقيد بموعد العشاء في حدود الساعة السادسة والنصف مساء. وبعدها يفضلون شرب البيرة أو النبيذ مع الأصدقاء أو لوحدهما.
في دراسة للباحث الألماني ينز لونيكر من معهد راينغولد، تبين أن الألماني يخصص يوميا ما معدله ساعة و43 دقيقة لتناول الطعام والشراب. لكن إيقاع الحياة اليومية لملايين الألمان والأوروبيين غيّر في عادات الطعام. فقد أصبح تناول وجبات الطعام السريعه التي أضحت متوفرة بكثره، يجري في بعض الأحيان على طاولة العمل أو أمام الكومبيوتر أو التلفاز. وهذا ما يفقد حسب الدراسة العلاقة بين تناول الطعام والتمتع به. ثم إن الدراسة تتحدث عن التراجع في طقوس تناول الطعام المشترك مع العائلة، وتزايد في الفردية في تناول الطعام، كل حسب وقته.
في المقابل وكما هو معروف، تخصص الكثير من أماكن العمل في ألمانيا استراحة للطعام كي يتسنى للعاملين تناول الوجبات الغذائية في أوقاتها، ومن ثم مزاولة العمل. وهذا موجود أيضا في حضانات الأطفال والمدارس والجامعات. وبهذا فإنها عادة مكتسبة منذ الطفولة والظروف المحيطة تساعد في الحفاظ عليها إلى حد ما.
تزايد الإقبال على المأكولات الشرقية
ازدياد الإقبال على المطاعم الشرقية والعربية في المانيا وخاصة في المدن الكبيرةعرف المطبخ الألماني خلال العقود القليلة الماضية تغيرات كثيرة عكست زيادة نسبة المهاجرين والألمان من ذوي الأصول المهاجرة. وقد هاجر هؤلاء في معظمهم من منطقتي حوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط. ومع قدومهم واستقرارهم في مجتمعهم الجديد انتشرت المطاعم الشرقية، وازداد الإقبال عليها. كما انتشرت محلات المواد التموينية العربية والتركية والآسيوية وغيرها.
مطعم الوالي على سبيل المثال هو أحد المطاعم العربية الموجودة في مدينة بيليفيلد الآلمانيه منذ أكثر من عشرين عاما. يقول مالك المطعم منعم والي: قد لا يجد الزائر في عطلة نهاية الأسبوع مكانا دون حجز مسبق. كما أن أعداد الألمان الذين يأتون إلى مطعمنا في تزايد كبير، وذلك إما لرغبتهم بالتعرف على الأكل العربي، أو منهم من تعرف عليه خلال زياراته للشرق الأوسط". وحول المأكولات العربية تقول يوليا بأتها تحب ارتياد المطاعم العربية، لاسيما وأن طبيعة عملها التي تسمح لها بالتنقل بين مدن ألمانية وعربيه جعلتها على علاقة خاصة بالمأكولات العربية، وحول علاقتها بهذه المأكولات تقول: "في عطلة نهاية نهاية الأسبوع استمتع بالفلافل والحمص والشاوارما والمشاوي والكسكسي، إضافة إلى المقبلات اللذيذة". غير أن ما يشد يوليا والكثيرين للمأكولات العربية كما تقول هو "البهارات التي تعطي للطعام نكهة مميزه". كما تحب جوليا أيضا عادة تدخين الشيشه مع أجواء الموسيقى والرقص الشرقي.
من خلال سؤالنا لأكثر من خمسين شخصا من جميع الأعمار، اتضح أن هنالك اليوم معرفة أوسع بالمطابخ الشرقية والعربية، ولكنها ما زالت محدودة. ومن الملفت للانتباه أن جيل الشباب لديهم معرفه أكثر ورغبه أكبر في التعرف على المطبخ العربي، في المقابل نجد أن كبار السن يفضلون تناول ما اعتادوا عليه منذ عقود. كما أن الألمان الذين يعيشون في مدن كبيرة تقيم فيها جنسيات متعددة على دراية اكبر بهذا المطبخ نظرا لانتشاره فيها بكثرة. كما أن نشاطات الجاليات العربية تفتح المجال أمام الألمان لتعرف أكثر على عادات العرب وثقافتهم.