مفسدات القلوب
وأما مفسدات القلب الخمسة فهي التي أشار إليها من كثرة الخلطة، والتمني، والتعلق بغير الله،
والشبع، والمنام. فهذه الخمسة من أكبر مفسدات القلب
المفسد الأول: كثرة المخالطة
فأما ما تؤثره كثرة الخلطة فامتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم حتى يسود،
ويوجب له تشتتا وتفرقا وهما وغما، وضعفا، وحملا لما يعجز عن حمله من مؤنة
قرناء السوء، وإضاعة مصالحه، والاشتغال عنها بهم وبأمورهم، وتقسم فكره في
أودية مطالبهم وإراداتهم
فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة
هذا، وكم جلبت خلطة الناس من نقمة، ودفعت من نعمة، وأنزلت من محنة، وعطلت
من منحة، وأحلت من رزية، وأوقعت في بلية. وهل آفة الناس إلا الناس
المفسد الثاني من مفسدات القلب: ركوبه بحر التمني
وهو بحر لا ساحل له. وهو البحر الذي يركبه مفاليس العالم، كما قيل: إن المنى رأس أموال المفاليس.
فلا تزال أمواج الأماني الكاذبة، والخيالات الباطلة، تتلاعب براكبه كما تتلاعب الكلاب بالجيفة،
وهي بضاعة كل نفس مهينة خسيسة سفلية، ليست لها همة تنال بها الحقائق الخارجية، بل اعتاضت
عنها بالأماني الذهنية. وكل بحسب حاله: من متمن للقدوة والسلطان، وللضرب في الأرض والتطواف
في البلدان، أو للأموال والأثمان، أو للنسوان والمردان، فيمثل المتمني صورة مطلوبة في نفسه وقد
فاز بوصولها والتذ بالظفر بها، فبينا هو على هذا الحال، إذ استيقظ فإذا يده والحصير
المفسد الثالث من مفسدات القلب التعلق بغير الله تبارك وتعالى
وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق
فليس عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله وكله الله
إلى ما تعلق به. وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل بتعلقه بغيره،
والتفاته إلى سواه. فلا على نصيبه من الله حصل، ولا إلى ما أمله ممن تعلق به وصل. قال الله تعالى
وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً ، كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً
وقال تعالى وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ ، لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ
وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ
فأعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله. فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل
له ممن تعلق به، وهو معرض للزوال والفوات. ومثل المتعلق بغير الله كمثل المستظل من الحر
والبرد ببيت العنكبوت، أوهن البيوت
المفسد الرابع من مفسدات القلب الطعام
والمفسد له من ذلك نوعان
أحدهما ما يفسده لعينه وذاته كالمحرمات. وهي نوعان
محرمات لحق الله كالميتة والدم، ولحم الخنزير، وذي الناب من السباع والمخلب من الطير
ومحرمات لحق العباد كالمسروق والمغصوب والمنهوب، وما أخذ بغير رضا صاحبه، إما قهرا
وإما حياء وتذمما
والثاني: ما يفسده بقدره وتعدي حده، كالإسراف في الحلال، والشبع المفرط، فإنه يثقله عن الطاعات،
ويشغله بمزاولة مؤنة البطنة ومحاولتها حتى يظفر بها، فإذا ظفر بها شغله بمزاولة تصرفها ووقاية
ضررها، والتأذي بثقلها، وقوى عليه مواد الشهوة، وطرق مجاري الشيطان ووسعها، فإنه يجري من
ابن آدم مجرى الدم. فالصوم يضيق مجاريه ويسد طرقه، والشبع يطرقها ويوسعها. ومن أكل كثيرا شرب
كثيرا فنام كثيرا فخسر كثيرا وفي الحديث المشهور ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم
لقيمات يقمن صلبه. فإن كان لابد فاعلا فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه
المفسد الخامس كثرة النوم:
فإنه يميت القلب، ويثقل البدن، ويضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل ومنه المكروه جدا، ومنه الضار غيرالنافع للبدن. وأنفع النوم ما كان عند شدة الحاجة إليه. ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره، ونوم وسط
النهار أنفع من طرفيه. وكلما قرب النوم من الطرفين قل نفعه، وكثر ضرره، ولاسيما نوم العصر. والنوم
أول النهار إلا لسهران
هذا وأفادنا الله بما قرأنا وأسال الله العلي العظيم أن يغفر لنا ذنوبنا ويرحمنا
لا تضيع الفرصة مادمت في الدنيا ،فغيرك تحت الأرض يتمنى لو يرجع ليقرأ حرفاً من القرآن ويكسب
حسنة يرجح بها ميزان حسناته